ما الأسباب المحتملة لاضطراب ثنائي القطب

عرف ثنائي القطب في السنوات الأخيرة شهرة واسعة جداً لم يحظى بها اضطراب نفسي آخر. حيث أن طبيعة هذه الحالة الصحية التي يدور حولها الكثير من الغموض، جعلت منه فرصة لمنتجي الأفلام لإنتاج أعمال فنية، يُجَسِّدُ فيها البطل دور شخص مصاب باضطراب ثنائي القطب مثل فلم Silver Linings Playbook و مسلسل Homeland.
ثنائي القطب بشكل مبسط
ما هو اضطراب ثنائي القطب؟ بداية، دعنا نفهم طبيعة هذا الإضطراب النفسي بطريقة مبسطة. لننظر إلى إسمه باللغة الإنجليزية، لعلنا نجد فيها ما نبحث عنه. ما هو إذن اضطراب ثنائي القطب باللغة الإنجليزية؟ الإجابة هي : Bipolar Disorder . ماذا بعد؟ هل وجدنا ما نبحث عنه؟ ليس بعد لكن اقتربنا فتحل بالصبر قليلاً! لننظر إلى معنى كلمة Bipolar سنجد أن معناها هو “ النقيضين”. و هنا نكون قد فهمنا طبيعة اضطراب ثنائي القطب! كيف ؟
بالنسبة لملايين الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب في جميع أنحاء العالم ،تتأرجح الحياة بين حقيقتين متناقضتين تماماً و لا شيء غيرهما، ابتهاج و اكتئاب. فترات من السعادة و ارتفاع الطاقة بشكل غير طبيعي، ثم تليها فترات من الاكتئاب الشديد و اليأس و الأفكار الانتحارية.

أنواع ثنائي القطب
على الرغم من وجود العديد من الأنواع في الاضطراب ثنائي القطب ، دعنا نركز على أكثر نوعين شيوعاً بين جميع الأنواع: النوع الأول تكون فيه فترة الابتهاج و السعادة، و التي تسمى بالمناسبة “الهوس”، شديدة التطرف و بأعراض شديدة، تليها فترات من الإكتئاب.
في حين أن النوع الثاني يتميز بفترات هوس أقل مدةً و أقل حدة، لكن تتخللها فترات طويلة من الاكتئاب الشديد. اضطراب ثنائي القطب يجعل المصاب به ينتقل فجأة من الإحساس الشديد بالضيق و الإكتئاب، إلى الشعور بالبهجة و بأنه لا يقهر! لنتعرف إذن، على أعراض حالة الهوس و حالة الإكتئاب
أعراض الهوس
هذه النوبات المبهجة التي يطلق عليها نوبات الهوس، تتجاوز مشاعر الفرح العادية ، و تسبب أعراضًا مزعجة جدا من بينها:
- تسارع في الأفكار
- ارتفاع مستوى الطاقة
- الأرق
- التكلم بشكل سريع
- الأفعال الاندفاعية
- السلوكيات المحفوفة بالمخاطر
أعراض الإكتئاب
في هذه المرحلة يظهر الإكتئاب في المصاب باضطراب ثنائي القطب، على شكل أعراض نذكر منها ما يلي:
- تدني الحالة المزاجية
- فقدان الاهتمام بالهوايات
- تغيرات في الشهية
- الشعور بانعدام القيمة
- الشعور المفرط بالذنب
- الأرق أو كثرة النوم
- القلق
- انخفاض مستوى الطاقة
- الأفكار المستمرة عن الانتحار
هل يؤثر على حياة المصاب ؟
عالمياً، يعاني ١٪ إلى ٣٪ من البالغين، من أعراض تشير إلى الإصابة باضطراب ثنائي القطب. و معظم هؤلاء البالغين أناس مثلنا لهم أثرهم في المجتمع و لا يسمحون لهذا الإضطراب بالتأثير على حياتهم وخياراتهم و علاقاتهم الإجتماعية.
لكن بالنسبة للكثيرين، قد يسبب اضطراب ثنائي القطب الكثير من الأضرار على حياتهم. حيث يمكن لهذا الإضطراب النفسي أن يؤثر بشكل سلبي جداً على الأداء التعليمي و المهني، العلاقات الاجتماعية، الحياة المالية، بل حتى السلامة الشخصية.

أسباب ثنائي القطب
إذن ما الذي يسبب الإصابة باضطراب ثنائي القطب؟، يعتقد العلماء و الباحثون أن المسبب الرئيسي هو تركيبة المسارات العصبية في الدماغ التي تتميز بالتعقيد. لا تقلق عزيزي القارئ، إن بدى لك أن الأمر معقد كالمسارات العصبية في دماغك، سأبذل قدر ما استطعت من جهد حتى أبسط لك الأمر.
المسارات العصبية المعطلة
في أدمغتنا، توجد الملايير من الخلايا العصبية البعيدة عن بعضها البعض. دعنا نتظاهر بأننا نعرف ما هي هذه الخلايا العصبية لأنها ليست مهمة الآن، اتفقنا ؟
هذه الخلايا العصبية، الموجدة بالملايير في أدمغتنا، ترسل و تستقبل فيما بينها ما نطلق عليه “الرسائل العصبية”، لكن ما هي هذه الرسائل العصبية؟
الرسائل العصبية، سميت هكذا لأنها الوسيلة التي تعتمد عليها الخلايا العصبية للتواصل فيما بينها. حسناً، ما الذي تحتويه هذه الرسائل إذن ؟
هذه الرسائل العصبية، تحتوي على إشارات كهربائية، تستقبلها الخلية العصبية و تعالجها و تترجمها ثم تنقلها في الأخير إلى الخلية التالية لتقوم هي الأخرى بنفس الأمر.
حسناً، ماذا تجد الخلية العصبية عندما تترجم هذه الإشارات الكهربائية؟ تجد جميع المعلومات التي يحتاجها جسدك ليعمل بالطريقة التي عليه أن يعمل بها. ابتداءاً من تنظيم ضغط الدم إلى الحركة و الإدراك و الإحساس و العديد من الوظائف المعقدة.
لكن، كيف تنتقل هذه الرسائل العصبية بين الخلايا؟ من أجل أن تنتقل الرسائل العصبية من خلية لأخرى، تمر عبر ما نطلق عليه “المسارات العصبية”. أي أن هذه المسارات العصبية هي الطرق التي تسلكها الرسائل لتصل من خلية لأخرى. كل هذا يشكل خريطة معقدة في الدماغ، لكن ما علاقته باضطراب ثنائي القطب ؟

تحافظ الأدمغة السليمة، على مسارات عصبية قوية و سليمة بين الخلايا العصبية. وذلك بفضل جهود الدماغ المستمرة لتقليم نفسه، و إزالة المسارات العصبية غير المستخدمة أو المعطلة. و هذه العملية مهمة جدا، لأن المسارات العصبية كما رأينا، تعمل كطرق تمر عبرها الرسائل العصبية التي تحدد كل ما نقوم به.
باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي، اكتشف العلماء أن قدرة الدماغ على تقليم نفسه معطلة لدى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب. و هذا يعني أن أدمغتهم لا تزيل المسارات العصبية المعطلة بل تستخدمها في عملية النقل العصبي.
بالتالي، ينتج عن هذا إنشاء شبكة يستحيل التنقل بينها، و إشارات كهربائية غير واضحة و متضاربة. و عندما تعتمد الخلايا على هذه الإشارات المربكة و المتضاربة، تظهر أعراض اضطراب ثنائي القطب عند الأشخاص المصابين به، حيث يطورون أفكارًا وسلوكيات غير طبيعية.
اللوزة الدماغية
تلعب اللوزة الدماغية دوراً كبيراً في التفكير و الذاكرة طويلة المدى و المعالجة العاطفية. قد تؤدي بعض العوامل مثل الجينات و الصدمات النفسية المتنوعة، إلى حدوث تشوهات في اللوزة الدماغية، ما قد يسبب الإصابة باضطراب ثنائي القطب.
العوامل الوراثية
الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى سواء الأب، أو الابن، أو شقيق مصاب بثنائي القطب، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمرض بما يعادل 10 أضعاف تقريباً. لذلك، يبدو أن للجينات علاقة بهذا الإضطراب النفسي.
كيمياء الدماغ
من الأسباب المحتملة أيضاً، أن اختلال توازن بعض الناقلات العصبية في الدماغ كالسيروتونين و الدوبامين، و التي تلعب دوراً مهما في تنظيم المزاج، قد يؤدي إلى الإصابة باضطراب ثنائي القطب.
علاج ثنائي القطب
لا يوجد علاج نهائي لاضطراب ثنائي القطب. لكن يمكن السيطرة على هذا الإضطراب النفسي من خلال بعض الأدوية. أبرزها مثبتات الحالة المزاجية، كالليثيوم الذي يساعد على إدارة الأفكار و المشاعر المزعجة. و يعمل هذا النوع من الأدوية عن طريق تقليل النشاط غير الطبيعي في الدماغ، و بالتالي تقوية الروابط العصبية القابلة للإستخدام.
تشمل العلاجات الأخرى المستخدمة أيضاً بشكل متكرر، الأدوية المضادة للذهان، و العلاج بالصدمات الكهربائية، الذي يستخدم في بعض الأحيان كعلاج طارئ.
في الأخير، يمكن للمصاب أن يتحكم في اضطراب ثنائي القطب و يتعايش معه، و يحظى بجودة حياة أفضل. من خلال العلاجات الدوائية التي ذكرناها. لكن هذا لا يكفي!، لابد من ما هو أهم من ذلك بكثير، و هو أن يحظى بقبول و تعاطف الأسرة و الأصدقاء، فهذا يساعد المصابين باضطراب ثنائي القطب بشكل كبير على إيجاد التوازن في حياتهم.
إقرأ أيضا: الفرق بين الرهاب الاجتماعي و الخجل
Featured Image by storyset on Freepik