الفرق بين الرهاب الاجتماعي و الخجل

الفرق بين الرهاب الاجتماعي و الخجل

إضطراب نفسي منتشر بيننا بكثرة في الخفاء، يسميه عامة الناس بالخجل، ما يؤدي بشكل أو بآخر إلى الإستهانة بحالة صحية تُعِيقُ بشكل كامل حياة المصاب بها! إنه الرهاب الاجتماعي.

تستطيع سماع هذا المقال بدل قرائته عبر الضغط هنا

إضطراب القلق الإجتماعي أو الرهاب الإجتماعي، مرض منتشر و يجهله الكثير من الناس حتى المصابين به، و يعتبر من بين أكثر الإضطرابات النفسية انتشاراً في مجتمعنا. يظهرُ هذا الإضطراب النفسي في النساء بشكل أوضح منه في الرجال، و يرجع ذلك لأسباب سنتطرق إليها بعد قليل.

يظهر هذا الإضطراب النفسي في مرحلة الطفولة أو بداية المراهقة، حيث وجدت دراسات مختلفة أن هناك مرحلتين يكثر فيهما الإصابة بهذا الاضطراب. المرحلة الأولى قبل المدرسة على شكل خوف من الغرباء، و مرة أخرى بين 12 و 17 سنة، على شكل مخاوف من النقد والتقويم الإجتماعي.

الرهاب الاجتماعي

ما الفرق بين الخجل و الرهاب الاجتماعي؟

الخجل و اضطراب القلق الإجتماعي ليسا وصفين لحالة واحدة، فمن الطبيعي الشعور بالخجل في بعض المواقف الاجتماعية. على سبيل المثال، قد يسبب إلقاء  عرض تقديمي أمام حشد من الناس، الشعور بتوتر كبير و هو أمر طبيعي. لكن في حالة الرهاب الإجتماعي، فإن التعاملات اليومية العادية، تسبب قلقا بالغا وارتباك وشعورا كبيرا بالحرج.

بالتالي، لا يُعَدُّ الشعور بالتوتر أو عدم الراحة في بعض المواقف الإجتماعية بالضرورة  مؤشراً على اضطراب القلق  الاجتماعي، لأن مستويات الشعور بالراحة في المواقف الاجتماعية، تتفاوت تبعاً لسمات الشخصية و تجارب الحياة، فبعض الأشخاص مُتَحَفِّظُون بطبعهم، و البعض الآخر أكثر انفتاحاً.

الرهاب الاجتماعي

أعراض الرهاب الاجتماعي

لكن على العكس من الخجل الطبيعي تشمل أعراض الرهاب الاجتماعي:

  • الخوف الشديد من التعامل مع الغرباء
  • القلق من أن يلاحظ الآخرون أنك تبدو قلقاً
  • الخوف من إحراج أو إهانة نفسك
  • تجنب المواقف التي قد تكون فيها محور اهتمام
  • تقييم أدائك و التعرف على العيوب التي شابت تعاملاتك بعد موقف اجتماعي ما
  • إحمرار الوجنتين
  • تسارع في نبضات القلب
  • التعرق و الإرتجاف
  • التجنب و  إشاحة النظر
  • الهروب و الإبتعاد
  • الشعور بالغثيان و الدوار
  • الشعور بصعوبة البلع
  • آلام و تشنجات في العضلات

و العديد من الأعراض الأخرى، التي تؤدي في النهاية بالمصاب إلى العزلة التامة، ما يؤثر على العلاقات الاجتماعية و الأنشطة الروتينية اليومية، و تعيق حياته بشكل كامل.

أسباب الرهاب الاجتماعي

تلعبُ كلٌّ من العوامل البيئية المحيطة، العوامل الوراثية و العوامل الكيميائية، دوراً في حدوث الإصابة بالرهاب الاجتماعي. قد ينشأ هذا الإضطراب بسبب انخفاض مستويات الناقلات العصبية في الدماغ، كالسيروتونين أو الغلوتاميت.

لكن، من بين كل العوامل المسببة لهذا الإضطراب، أريد التركيز على عامل واحد، هو ما يجعل الرهاب الاجتماعي منتشر بكثرة في مجتمعنا، و هو عامل التربية!

 الرهاب الإجتماعي هو اضطراب طفولي المنشأ غالبا، ما يجعل سوء التربية أهم عامل مسبب له، و من مظاهر سوء التربية:

الحماية الزائدة:
 و يحدث هذا عندما يخاف الأب أو تخاف الأم على طفلها، لدرجة أن تمنعه من التعامل و التواصل الاجتماعي نهائياً.  فينشأ الطفل و يجد نفسه في معاناة و بلا حصيلة اجتماعية تذكر.

القسوة في التربية:
الزجر و النهر بلا سبب، يصنع طفلاً خائفاً عديم الثقة في نفسه في كل مجالات حياته، و يقضي عليه لفترات طويلة من عمره 

الرهاب الاجتماعي

تقاليد هدَّامة

ما جعلني أَخُصُّ مجتمعنا بالذكر، ليس ما ذكرت للتو. فالقسوة في التربية أو الحماية الزائدة، أمر قد نتشاركه مع سائر المجتمعات الأخرى. لكن ما يميزنا هو أننا مجتمع “محافظ”، ننظر إلى الطفل الذي لا يحرك ساكناً على أنه مهذب و محترم، و البنات خصوصاً.

  نسعى إلى أن يبدو أبنائنا محترمين حتى نتباهى بهم أمام الناس، “حين يتحدث الكبار إلزم الصمت!”، “لا تتحدث في حضرة الضيوف!”، و العديد من الرسائل القمعية الأخرى التي تجعل الطفل يعتبر الحديث مع الآخرين، مصدر تهديد و يخاف منه.

بَدَلَ أن نبني ثقة أبنائنا في أنفسهم، و نشجعهم على الإنخراط في المواقف الاجتماعية، و نعلمهم إلى جانب هذا آداب الحوار و الإحترام، نُهْمِلُ كل ما سبق و نسعى فقط إلى أن يبدوا مهذبين و محترمين مظهراً، بغض النظر عن نفسيتهم وشخصيتهم و بغض النظر عن هل هم مهذبون حقاً، كيف ؟

الجوهر لا المظهر

هل طفلك واثق من نفسه؟ يستطيع التحدث إن أراد؟ لكنه اختار طواعيةً أن يَتَرَيَّثَ قليلاً حتى ينهي جده الأكبر حديثه، أم أنه خائف مرتعب من سهام قمع، يعلم جيدا أنه سيُرْمَى بها بمجرد أن يحرك شفتيه.

 و لو أُتِيحَت له الفرصة و الإمكانية أن ينزع جذور الخوف من قلبه و عقله، لقَلَبَ الدنيا رأسا على عَقِب، ضارباً عرض الحائط كل آداب الحوار و الإحترام. لأنه كان قبل قليل، مجرد طفل خائف مرعوب، غيرَ واثق من نفسه، مجبر على الصمت، و ليس مهذباً و محترماً كما تظن!

الرهاب الاجتماعي

هذا كله راجع إلى أننا مجتمع “محافظ”، يَسْتَنْبِطُ أساليب و طرق التربية من التقاليد التي لا تسمن و لا تغني من جوع أغلبها. “إِضرب الطفل حتى ينصاع لأمرك”، “من الجيد أن يخاف الأطفال من والدهم فهذا رادع لهم من إساءة التصرف”، و العديد من المفاهيم الأخرى، التي تؤدي في النهاية إلى خلق جيل منطوٍ على نفسه غير سويٍّ نفسياً!

حين نبتعد عن الوحي، حين نبتعد عن هدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، و نجعل من هَبَّ و دَبَّ مصدر استنباطنا لأساليب التربية، فليس من حقنا أن نستغرب حين نرى النتيجة.

هدي رسول الله صل الله عليه و سلم

يضرب رسول الله صل الله عليه وسلم، مثلاً في خصوصية العلاقة بين الأب و ابنته، في الموقف الذي رَوَتْهُ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: ( أَقْبَلَتْ فاطمةٌ تمشي كأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النبي، فقال النبي: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه، ثم أَسَرَّ إليها حديثاً فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لها: لِمَ تبكين؟ ثم أَسَرَّ إليها حديثاً فَضَحِكَتْ، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن!. فسألتها عن ما قال فقالت: ما كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله. حتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ فسألتها فقالت: أَسَرَّ إِلَيَّ أن جبريل كان يُعَارِضُنِي القرآن كل سنة مرة، و أنه عارضني العام مرتين، و لا أراه إلا حضر أجلي، و إنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت فقال: أما تَرْضَيْنَ أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟، فضحكت لذلك.)

 هكذا كانت تربية رسول الله لابنته، تربية قائمة على التواصل، الحب، الحنان و العطف، و ليست تربية قائمة على القمع، الزجر، النهر و الجفاء.

الرهاب الاجتماعي

و ها هو ذا رسول الله مرة أخرى، في الموقف الذي رواه النسائي عن عبد الله بن شداد عن أبيه، قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صَلَاتَيْ الظهر أو العصر، و هو حاملٌ أَحَدَ ابنيه الحسن أو الحسين، فتَقَدَّمَ رسول الله فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول الله سجدة أطالها. فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله ساجد، و إذا الغلام راكبٌ على ظهره. فَعُدْتُ فسجدت، فلمَّا انصرف رسول الله قال الناس: يا رسول الله، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدةً ما كُنْتَ تسجدها، أَفَشَيْءٌ أُمِرْتَ به أم كان يوحَى إليك؟، قال: كل هذا لم يكن، و لكن ابني ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أن أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حاجته! )

من لا يَرْحَم لا يُرْحَم

 و لم تكن هذه المواقف مواقف عابرة في حياته، بل كانت صفة أصيلة من صفاته. لذلك يُرْوَى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قَبَّلَ الحسن بن علي، و الأقرع ابن حابس التميمي جالس فقال: إن لي عشرة من الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهم أحداً قط. فقال من أرسله الله رحمةً للعالمين: من لا يَرْحَمُ لا يُرْحَم!

كثيرٌ من الآباء يتعامل مع نفسه على أنه بنك أو ماكينة صراف آلي، و أن مُجَرَّد إمداد بيته بالطعام و الشراب و مستلزمات البيت، فهو بذلك أنهى مسؤوليته. لكن الله عز وجل يقول: ( وقل ربي ارحمهما كما رَبَّيَانِي صغيرا ) و لم يقل أطعماني أو أسقياني، بل قال جل شأنه: (رَبَّيَانِي). فالتربية تكليفٌ أولاً، و لا تصبح تشريفاً حتَّى تُؤَدَّى على منهج النبوة.

 لا يمكن أن نُشَكِّكَ في حب الآباء لأبنائهم و رغبتهم في الإحسان إليهم، لكن النية لا تكفي! لا بُدَّ من الإقتداء برسولنا الكريم، فهو الذي يُوحَى إليه من رب العالمين، و ليس الآباءُ و الأجداد، فَهُم بشرٌ مثلنا يصيبون ويخطئون.

أن تترك خلفك طفلاً ضعيفاً في شخصيته، منطوٍ على نفسه، فهذا امر صعب فعلا. فاتقوا الله في أبنائكم !

إقرأ أيضاً : كيف أعرف أنني مصاب بـ الاكتئاب؟

Mind Under Control

لا تعليقات بعد على “الفرق بين الرهاب الاجتماعي و الخجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *