كيف أعرف أنني مصاب بـ الاكتئاب؟

كيف أعرف أنني مصاب بـ الاكتئاب؟

يقول ديفيد بيرنز، الأستاذ في قسم الطب النفسي و العلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة ستانفورد: “يمكن أن يبدو الإكتئاب أسوء من السرطان المميت، لأن معظم مرضى السرطان يشعرون بالحب، و لديهم الأمل و احترام الذات، في حين أن مرضى الاكتئاب، ليس لديهم أي من ذلك”.

حسب تقديرات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 300 مليون شخص يعيشون حالة اكتئاب، أي بزيادة تجاوزت نسبتها 18٪ في الفترة الواقعة بين عامي 2005 و 2015. كشفت هذه التقديرات في مؤتمر صحفي بجنيف، في الثلاثين من مارس عام 2018. و لا شك أن الأرقام اليوم أكثر من ذلك بكثير.

الاكتئاب

الخلط بين الاكتئاب و الحزن

لا شك أنك سمعت من قبل عبارة ” أنا كئيب ” أو ” أنا أشعر بالإكتئاب “، من قبل صديقك الذي لم يعثر على القميص الذي كان يبحث عنه في محل الملابس، فأصابه الحزن. فنحن نستخدم مصطلح ” الإكتئاب ” باستخفاف في محادثاتنا لأننا لا نستطيع التمييز بينه و بين الحزن.

إذا كان الإكتئاب ببساطة هو الشعور بالحزن، فجميع البشر مصابون بالإكتئاب دون استثناء. لأن الشعور بالحزن من وقت لآخر في حياتنا اليومية، يعد أمراً طبيعياً لا مفر منه و جزء لا يتجزأ من إنسانيتنا، لكن الإكتئاب أكبر من ذلك بكثير.

لماذا يخلط البعض بينهما ؟

إستعمالنا لمصطلح الإكتئاب باستخفاف في حالات الحزن العادية لم يأتي من فراغ. السبب في ذلك، راجع أولا إلى قلة الوعي بالأمراض النفسية في مجتمعاتنا. و السبب الثاني، هو أن الحزن يعد بالفعل واحداً من أعراض الإكتئاب الشهيرة.

لكن مجرد الشعور بعرض واحد من أعراض مرض نفسي ما، لا يعني بالضرورة الإصابة به. لا بد من وجود جميع الأعراض أو أغلبها، و استمرارها لمدة زمنية لا تقل عن أسبوعين، حتى تستطيع القول بأنك مصاب بالإكتئاب

ما هي أعراض الاكتئاب ؟

لا شك أنك تتسائل عزيزي القارئ عن ماهية هذه الأعراض، لنتعرف عليها إذن. أعراض الإكتئاب تشمل:

  • فقدان الطاقة و انخفاض نشاط الجسم أو الشعور بالتعب يومياً
  • فقدان التركيز بشكل يومي
  • نوبات الغضب، التهيج أو الإحباط حتى من الأمور البسيطة
  • التركيز على إخفاقات الماضي و لوم النفس
  • الشعور بالذنب و عدم القيمة، و احتقار الذات
  • صعوبة اتخاذ القرارات بشتى أمور الحياة
  • نقصان أو زيادة في الوزن بشكل مفاجئ
  • أرق و قلة نوم، أو زيادة ملاحظة في ساعات النوم
  • التفكير في الموت و الإنتحار
  • الشعور بالحزن بشكل يومي و في معظم الأوقات
الاكتئاب

 المصابون بالاكتئاب، لا ينظرون للحياة و للأشياء المحيطة بهم، كما يراها الأشخاص الطبيعيون، بل يتعاملون معها بشكل يبدو مختلفًا للجميع. فهم أكثر ميلا للهروب بدل المواجهة عند التعرض للمشاكل و التحديات، وهذا راجع إلى فقدان التركيز الذي يجعلهم يواجهون صعوبة في التصرف و اتخاذ القرارات، و ليس علامة أبداً على ضعف شخصيتهم.

كما أنهم غير قادرين على رؤية الصفات الإيجابية التي يتمتعون بها، بسبب التفكير الدائم في المواقف السلبية السابقة التي تجعلهم يشعرون بانعدام القيمة، و تفقدهم الثقة بأنفسهم. لا يقوى مرضى الاكتئاب على القيام بأبسط الأنشطة اليومية، مثل القراءة و الأكل بل يفضلون البقاء في الفراش طوال الوقت ، نتيجة لانعدام الحافر و التعب الذي يسيطر عليهم.

بالإضافة إلى كل هذا، فهم لا يلتزمون بالعلاج و بعضهم لا يلجأ إليه أساسا، لاعتقادهم أنه لا جدوى منه، حيث أن اليأس من أبرز الأعراض أو الصفات التي تميز المصابين بهذا المرض النفسي، فهم لا يؤمنون بإمكانية الشعور بالتحسن و التعافي.

الأسباب المحتملة

الإكتئاب كجميع الأمراض النفسية له أسباب و مسببات لعل من أبرزها:

خلل في كيمياء الدماغ:

توجد في أدمغتنا ناقلات عصبية، تنقل الرسائل العصبية بين الخلايا، و تُنَظِّمُ كل منها وظائف معينة. من بين هذه الناقلات العصبية يوجد ناقل عصبي يسمى السيروتونين، وظيفته تنظيم القلق و السعادة و الحالة المزاجية العامة.

الاكتئاب
Image by macrovector on Freepik

أظهرت بعض الأبحاث، أن هناك علاقة بين الاكتئاب و انخفاض مستويات السيروتونين، حيث يمكن أن تُسهم المستويات المنخفضة من هذا الهرمون، في زيادة ترَدِّي الحالة المزاجية و الإصابة بالاكتئاب.

ناقل عصبي آخر يسمى الدوبامين، وظيفته تحفيزك على القيام بالأنشطة التي تسبب لك المتعة و السعادة، قد يؤدي هو الآخر إلى الإصابة بالإكتئاب إن انخفضت مستوياته في الدماغ.

العوامل الوراثية والتاريخ العائلي:

يزداد خطر الإصابة بالاكتئاب، عند الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بهذا الإضطراب النفسي، أو أي اضطراب مزاجي آخر.

سوء التربية:

في عام 2013 أُجريت دراسة في جامعة بيتسبرغ، وجدت أن التأديب اللفظي القاسي أو الشتم أو استخدام أسلوب الإهانة، قد يضر بجودة نفسية الطفل على المدى البعيد.

الاكتئاب

و هُناك دراسة أُخرى، دامت لمدة سنتين، وجدت أن المواظبة على استخدام التوبيخ اللفظي القاسي، كان مَدخلا رئيسيا للاكتئاب.

و وفقا لواحدة من الدراسات التي أُجريت في عام 1986، فإن الأطفال الذين يفتقرون إلى الثناء الأبوي، هم أكثر عُرضة للقلق والاكتئاب والانسحاب من المجتمع.

علاج الاكتئاب

بطبيعة الحال لكل داء دواء. الإكتئاب أيضا له علاجه، و كما هو معروف للجميع، فإن علاج الأمراض النفسية ينقسم إلى علاج دوائي و علاج سلوكي معرفي.

العلاج الدوائي:

توجد العديد من مضادات الإكتئاب التي يصفها الأطباء للمصابين، مثل مُثَبِّطَاتِ استرداد السيروتونين الانتقائية SSRIs، و مثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين SNRIs، و مضادات الاكتئاب غير النمطية، و مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، و مثبطات أكسيداز أحادي الأمين.

عادة ما يبدأ الأطباء بوصف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SSRIs، نظراً لأنها الأدوية الأكثر أمانا عند تعاطي جرعة زائدة، و لأنها تسبب أعراضا جانبية أقل بكثير من الأدوية الأخرى.

 تؤثر هذه الأدوية بشكل مباشر على الناقل العصبي السيروتونين، الذي قلنا بأن انخفاض مستوياته في الدماغ من الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالإكتئاب. حيث تأخر عملية امتصاصه من قبل الخلايا العصبية، الشيء الذي يسبب تأثيرا إيجابيا على مزاج المريض، لكن مفعولها يبدأ عادة بعد مرور أسبوعين على الأقل.

العلاج السلوكي المعرفي:

العلاج السلوكي المعرفي، هو علاج يستهدف أنماط التفكير و السلوكيات و المشاعر. في حالة الإكتئاب،  ينصت المعالج إلى المريض بتركيز محاولاً تحديد أنماط التفكير الخاطئة، و الإستجابات السلوكية السلبية لمواقف الحياة الصعبة.

 ثم يقوم في الأخير، بمحاولة تصحيح هذه الإستجابات السلوكية، و تغيير أنماط التفكير الخاطئة، عن طريق توجيه المريض نحو طرق فعَّالَة، تساعده على التعامل الصحيح مع مشاعره، و المواقف الصعبة في حياته ليصبح أكثر توازنا.

يعد العلاج السلوكي المعرفي نوعا من أنواع العلاج بالكلام، الذي يمكن أن يكون فعالا جدّاً. حيث أن كل ما يحتاجه البعض، هو التحدث مع شخص مُنْصِت متفهم، يُبْدِي اهتمامه بالاستماع له، لا لإلقاء الأحكام و لا لشيء آخر غير الاستماع.

رسالة مني إليك

إن كنت تعاني من الإكتئاب، أتفهم جداً اليأس الذي يستولي عليك، و أتفهم جداً عدم إيمانك بإمكانية التحسن و التعافي، لكن لو سمحت، أريد أن أخبرك بأنّي على يقين بأن الألم بداخلك لن يستمر طويلاً، لا بُدَّ أن يتوقف في يوم من الأيام.

الاكتئاب
Image by pch.vector on Freepik

لا أقول لك هذا من باب المواساة فقط، فالاكتئاب يعتبر من بين أكثر الأمراض النفسية القابلة للعلاج. حيث أن حوالي ٨٠ إلى ٩٠ بالمائة من المصابين، يُشْفَون تماماً عند تلقي العلاجات المناسبة.

يقول سيغموند فرويد ” الإكتئاب ليس علامة ضعف، بل هو إشارة إلى محاولتك أن تكون قويًا لفترة طويلة جدا “، لكن الله عز و جل يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، لا تُكَلِّف نفسك أكثر مما تطيق، و لا تسعى للكمال فالكمال لله وحده.

الرّضى بقضاء الله و قدره و الإيمان باليوم الآخر، من أعظم أسباب السعادة و الطمأنينة. يقول الله عز و جل: (و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، و أولئك هم المهتدون) 

وَعْدُ اللهِ سبحانه و تعالى بالرحمة، ليسَ لمن قال إنا لله و إنا إليه راجعون بلسانه فقط، و إنما لمن آمن بها بقلبه حق الإيمان. فالإيمان وحده بأنك لله و أنك عائد إليه، و أن كل ما تعيشه مجرد حياة زائلة، تنتقل منها إلى النعيم الأبدي الذي ينسيك كل آلامك السابقة. هذا الإيمان وحده كفيل بجعلك تشعر مباشرة بنوع من الإستقرار و السكينة و رحمة من الله.

في الأخير، تَذَكَّرْ أخي الكريم و تَذَكّرِي أختي الكريمة، أن كل ما يمر بك فيه خير لك. فالمرور بتجربة اكتئاب والخروج منها، يكسب الإنسان قوة و وعياً جديداً، و يتغير ما بداخله ويتطهر.
و تَذَكَّر(ي) أَنَّك لَسْت وَحْدَك، نَحْنُ جَمِيعاً حَوْلَك، نَحْنُ هُنَا لِأَجْلِك.

إقرأ أيضاً: هل شرب الماء بكثرة قد يعالج الإكتئاب ؟


Featured Image by storyset on Freepik

Mind Under Control

3 أراء حول “كيف أعرف أنني مصاب بـ الاكتئاب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *