الدوبامين: هل هو هرمون السعادة حقا ؟

إذا قُمْتَ ببحث سريع في محركات البحث على الإنترنت عن “هرمون السعادة” ستجد أغلب المقالات إن لم تكن جميعها تخبرك بأن ما تبحث عنه هو الدوبامين. ثم ينتقل الكاتب مباشرة ليعرض عليك أهم الطرق التي تساعدك على زيادة نسبة هذا الهرمون في دماغك، لأن هدف الكاتب بطبيعة الحال هو أن يجذب انتباهك و اهتمامك، لا أن يدخل في تفاصيل معقدة تجعلك تشعر بالملل مغادراً دون إكمال القراءة.

هدفنا الفهم الواضح لا جذب الإنتباه
محاولة جذب الإنتباه دون الدخول في تفاصيل معقدة أمر مشروع لا خطأ فيه. لكن هدفنا نحن عزيزي القارئ هو أن نجعلك على دراية تامة بتفاصيل كيمياء دماغك التي تلعب دوراً كبيراً في استقرار صحتك النفسية.
لذلك لو سمحت، دعني أخبرك بأنه لو أردنا أن نكون حريصين في استعمالنا للمصطلحات المناسبة في المكان المناسب، سيتضح لنا آنذاك بأن الدوبامين ليس هو هرمون السعادة! لكن إن كان هدفك من قراءة هذا المقال، إلى جانب فهم طبيعة الدوبامين، هو أن تتعرف على الهرمونات التي تؤثر في مزاجك و في صحتك النفسية بشكل عام، فإنك لا زلت في المكان الصحيح.
ما هي السعادة التي نتحدث عنها ؟
السعادة أو المتعة! أحاسيس جميلة، تشعر بها مثلا عند تناولك لقطعة من الحلويات، تشعر بها عند مشاهدتك لفلمك المفضل، عند خروجك مع أصدقائك للتنزه أو حتى عندما تشرب كأس ماء بارد عند دخولك للمنزل بعد يوم حار و مشمس. لنتوقف سريعاً عند المثال الأخير، تذكر معي تلك اللحظة بالضبط التي تكون فيها مستمتعاً بكأس الماء البارد، شعور جميل أليس كذلك؟ تلك المدة الزمنية القصيرة هي التي تُفْرَزُ فيها الهرمونات أو الناقلات العصبية التي تجعلك تشعر بالمتعة و السعادة، لكن الدوبامين لا يُفْرَزُ بل على العكس، تبدأ نسبته في الدماغ بالإنخفاض تدريجيا في تلك اللحظة! لماذا و كيف ؟
وظيفة الدوبامين الحقيقية
الدوبامين ليس هو المسؤول عن إحساسك بالمتعة و السعادة، بل هو المسؤول عن المرحلة التي تسبقها، هل تتسائل عن هذه المرحلة عزيزي القارئ؟ ألا تذكر اللحظة التي تسبق شُرْبَكَ للماء البارد؟ تلك اللحظة، عندما تقع عينك مباشرة على كأس الماء ذاك، بعد دخولك للمنزل في حالة عطش كبيرة ؟ ألا تشعر برغبة كبيرة جداً و ملحة في شربه ؟
الدوبامين هو المسؤول يا صديقي عن ما تشعر به آنذاك من رغبة كبيرة، و ليس هو المسؤول عن ما تشعر به من متعة و سعادة عند تلبيتك لتلك الرغبة، لذلك أخبرتك أن مستوياته تبدأ بالإنخفاض تدريجيا مباشرة بعد شربك لكأس الماء البارد، لأنه أدى دوره بتحفيزك لتقوم بما يضمن مصلحتك و ما يضمن سعادتك و استقرارك النفسي و انتهى دوره هذا عند شربك للماء. لذلك، انظر إلى الدوبامين على أنه المسؤول عن رغبتك في المتعة و السعادة “أرغب بهذا!” وانظر إلى الناقلات العصبية أو الهرمونات الأخرى على أنها المسؤولة عن إحساسك بالمتعة و السعادة ” يعجبني هذا! “.
نعم، هذا هو دور الدوبامين، أن يدفعك لتعمل ما يخدم مصلحتك و أن يدفعك للقيام بالأنشطة التي تسبب لك شعوراً بالمتعة و السعادة، أما السعادة و المتعة التي تأتي بعد قيامك بتلك الأنشطة، فتلك وظيفة ناقلات عصبية و مركبات أفيونية أخرى. بالتالي ستشعر بالسعادة حتى و إن قمنا بتعطيل الخلايا العصبية التي تفرز الدوبامين في دماغك!
إذن هل الدوبامين ليس هرمون السعادة ؟
لكن لا يزال للدوبامين على الرغم من هذا دور كبير في سعادتك و استقرارك النفسي، إليك التجربية التالية و بعدها سيتضح لك الأمر: عند قتل الخلايا التي تنتج الدوبامين لدى الفأر لا يصبح لديه أي دافع على الإطلاق للخروج و الاستمتاع بالأشياء لكن عند وضع عصير السكروز مباشرة في فمه فإنه يستمتع به لأن أنظمة المتعة لديه لا زالت تعمل جيدا.
كما رأيت، فإن الفأر و على الرغم من قتل الخلايا المنتجة للدوبامين لديه، لا زال يشعر بالمتعة عند وضع عصير السكروز مباشرة في فمه، لكنه لن يقوم بالبحث عليه بنفسه لأنه لا يشعر أبداً بأي دافع أو رغبة في الخروج و البحث عن العصير. وهنا يكمن الدور المهم و الأساسي للدوبامين، حيث أنك فعلاً لن تشعر بالسعادة و المتعة إن كانت مستوياته منخفضة في دماغك لأنك ببساطة، لن تبحث عنها أصلا!
الدوبامين هو المحرك الذي يدفعك للقيام بأي شيء في حياتك هو الحافز و الدافع، و السعادة عبارة عن مرحلتين: تبدأ عند اللحظة التي يحفزك فيها الدوبامين و يجعلك تشعر بأن الخروج مع أصدقائك -على سبيل المثال- نشاط مغري و مسبب للمتعة و تكتمل السعادة في المرحلة التالية عند قيامك بذلك النشاط. بالتالي لا بد من المرحلة الأولى التي يتكفل بها الناقل العصبي الدوبامين، لذلك نرى أن من أعراض الإكتئاب الغياب الكبير للدافع و الحافز في حياة المصاب و تبدو له جميع أنشطة الحياة الطبيعية مملة إلى حد كبير و لا يبدو عليه أي اهتمام بالانخراط فيها، بالتالي كيف سيشعر الإنسان بالسعادة إن كان أصلا لا يرى في حياته مصدرا لها.
شكرا بارك الله فيكم
وفيك بارك الله 🤲🏻
وفقكم الله
آميين، شكرا لك أخي الكريم